الأحد الخامس من الصوم الكبير: شفاء المخلّع وشفاء الوطن
كتبت رودا بدر في الأحرار نيوز بعنوان *الأحد الخامس من الصوم الكبير: شفاء المخلّع وشفاء الوطن*
في هذا الأحد الخامس من الصوم الكبير، نتأمّل في معجزة شفاء المخلّع التي وردت في إنجيل مرقس (مر2/ 1-12)، حيث يُظهر يسوع من خلالها سموَّ سلطانه الإلهي الذي يطهّر الروح والجسد، ويُبرهن أن شفاء الرّوح يؤدّي حتمًا إلى شفاء الجسد. هذا الحدث لا يعكس فقط معجزة جسديّة، بل دعوة روحية عميقة للمصالحة والشفاء الداخلي. فالمخلّع هو الإنسان الّذي يعاني من الانتماء الأفقي التّرابي المريض بالخطايا والموت، والمسيح، من خلال معجزته، يعبر به إلى الانتماء الروحاني الجديد في المسيح الحيّ والمُحيي، الذي يمنح الروح حياة جديدة.
هذه المعجزة العميقة لا تقتصر فقط على الفرد، بل يمكننا أن ننظر إليها كرمز للشفاء الذي يحتاجه وطننا لبنان. في ظلّ ما يمر به وطننا الحبيب من آلام ومعاناة على مختلف الصّعد، من الفساد إلى الانقسام، قد نكون مثل المخلع الّذي يعاني على جميع الأصعدة: الروحيّة والجسديّة. إنّ المرض الذي يعاني منه وطننا هو مرض في الروح، في القيم والمبادئ التي تربطنا ببعضنا البعض كمواطنين، وهو مرض في الجسد الّذي يتمثّل في الفساد والتفكك الاجتماعي والسياسي.
كما أن يسوع في معجزة شفاء المخلّع عالج السبب والنتيجة معًا، علينا أن نتّحد كمجتمع، مسيحيين ومسلمين، ونرفع صلاة صادقة لشفاء وطننا. لعلَّ الوحدة في الإيمان، الّتي لا تفرّق بين دين ودين، هي السبيل الوحيد لتحرير وطننا من أيدي الفاسدين والمخرّبين، الذين يشبهون السوسة التي تنخر في جذور أرز وطننا. عندما نرفع وطننا بالصلاة، متّحدين في إيماننا بالله، فإن الله سيحررنا من هذه الآفات، ويعطينا القدرة على استئصال كلّ شرّ يهدّد وطننا. فالوطن بحاجة إلى شفاء الرّوح قبل شفاء الجسد. الوطن بحاجة إلى العودة إلى المبادئ السامية، إلى القيم التي كانت تحكمه في العصور الذهبيّة. كما كان في عهد فخامة الملك كميل شمعون، حيث كان لبنان سويسرا الشرق، وكنّا نعيش في ازدهار اقتصادي وحضاري، وكانت عملتنا متداولة عالميًا. هذا هو حلمنا اليوم: أن يعود لبنان إلى مجده، أن يستعيدَ عافيته، ليقف شامخًا بين الأمم كما كان، وأن تُستردَّ أرواحنا مع روح الوطن.
في هذا اليوم المقدّس، دعونا نصلّي ونعمل بيدٍ واحدة من أجل وطننا الحبيب. أن نرفعَ لبنان في صلواتنا كأنّنا نرفع المخلّع في معجزته، وأن نثقَ أن الله قادر على شفاء وطننا كما شفى يسوع المخلّع. لأن إيماننا بالله هو الذي سيمنحنا القوّة لنعيش في وطنٍ يسوده الحبّ والسّلام والازدهار، وطنًا يستحقّه أبناؤه، وطنًا يقف فيه الجميع على قدميه، مُشعًّا بنور الأمل والمستقبل الأفضل