لبنان بعد خمسين سنة: بين أطلال الحرب وأحلام الدّولة… آن أوان الدّولة، كفى ذاكرة نار.
كتبت الصحافيّة رودا بدر في الأحرار نيوز بعنوان : “لبنان بعد خمسين سنة: بين أطلال الحرب وأحلام الدّولة… آن أوان الدّولة، كفى ذاكرة نار.”
بعد مرورِ خمسين عامًا على انتهاء الحرب الأهليّة اللبنانيّة، لا يزال شبحُ تلك الحقبة يُخيّم على ذاكرتنا الجماعيّة، مؤثّرًا في حاضرنا ومشكّلًا ملامحَ مستقبلنا. فالأجيالُ الّتي لم تعاصرْ الحربَ مباشرةً لا تزالُ تحملُ إرثَها الثّقيل، وتعيش تداعياتها النّفسية والاجتماعيّة، وكأنّ الزمنَ توقّفَ عندَ لحظةِ الانفجار الأوّل.في شوارع بيروت، حيث كانت تُعزف ألحان الحياة اليوميّة قبل اندلاع الصّراع، ما زالت آثار الحرب تروي صمتًا قصصًا لم تُكتب بعد. مبانٍ مهدّمة، وجدران مثقوبة بالرّصاص، وخطّ أخضر لم يعد يُرَ على الخرائط لكنّه محفور في النّفوس، كرمز لانقسام لم يُشفَ بعد. جيلٌ جديد نشأ في ظلّ سلام هشّ، لكنّه لا يزال محاصرًا بذاكرة جماعيّة مثقلة بالحقد والانقسام. فالقصص الّتي يتناقلها الآباء والأجداد لا تحاكي فقط مآسي الحرب، بل تزرعُ في نفوسهم خوفًا من الآخر، وإرثًا من الكراهيّة تحت قشرة الحضارة والتّمدّن. فهل كُتب علينا أن نظلَّ أسرى لماضٍ لم نخترْهُ؟ متى نكسرُ قيدَ الانتماءِ الأعمى للزّعيم والطّائفة والحزب؟ متى ينتقل المواطن اللّبناني من تابع إلى شريكٍ حقيقيّ في بناء وطنه؟
لم تقتصرِ الحربُ على القتل والدمار، بل امتدَّ أثرُها إلى ما بعد البنادق؛ فخلَّفت حربًا أشدَّ فتكًا: حرب الفساد. هذه الحرب التي تسلَّلت إلى المؤسّسات، فخنقت الأحلام، وهجّرت الكفاءات، وأبقت شبابًا يتيهون بلا أملٍ ولا مستقبل. هي حربٌ لا تُرى، لكنّها تُشعر كلّ لبنانيّ بمرارة الظّلم وغياب العدالة.
ومع ذلك، لا يزالُ في هذا الوطن من يؤمنُ بأنّه يستحقّ الحياة. من بين كلّ هذا الركام، تبرزُ اليوم قيادة استثنائيّة تمثّلت في الرئيس *جوزاف عون*، الذي لم يكتفِ بشغل منصبٍ معطَّلٍ منذ سنوات، بل أعادَ للرّئاسةِ هيبتَها ودورَها الوطنيّ. بحضوره الثّابت، وكلمته السياديّة، أعادَ الأملَ إلى نفوس اللّبنانيين، وأثبتَ أنّ هذا الموقع قادرٌ على أن يكون نقطةَ انطلاقٍ نحو خلاصٍ وطنيٍّ.يقودُ الرئيسُ جوزاف عون سفينةَ الوطنِ وسطَ عاصفة من التّحديّات، من الأزمات الماليّة إلى السّلاح غير الشرعيّ، ومن انهيار المؤسّسات إلى غياب الثّقة بالدّولة. لكنّه يواجهها بإرادةٍ صلبةٍ، جامعًا بين التّواضع في الخطاب والصّلابة في الموقف، واضعًا نصب عينيه مصلحة لبنان العليا.إنّنا اليوم بحاجة إلى نهضة وعي، إلى مشروع وطنيّ جامع، يضعُ حدًا لتاريخ الحروب والانقسامات، ويصوغ مستقبلًا تلتقي فيه الطوائف لا لتتناحر، بل لتتعاون. مستقبل يُبنى على العدالة لا على الغلبة، وعلى المواطنة لا المحاصصة.
لبنان يستحقّ أن نحبّه بالفعل لا بالشعارات. يستحقّ أن نضعَ أيادينا معًا، من أجل وطنٍ لا تُحكم فيه الناس بالبندقيّة، بل بالقانون. وطن يُعيد لأبنائه ثقتَهم بمؤسّساته، وبحلمهم الذي لم يمتْ بعد، رغم كلّ الجراح.
فلنبدأ اليوم. من الذكرى، من الوجع، من الحقيقة… لنكتبَ فصلاً جديدًا عنوانه: *لبنان السّلام لا لبنان السلاح*.
وباللّبناني بتوجّه لقلب شعبي : “يمكن خلص الوقت نضلّ نحكي عن الحرب متل كأنها مبارح، وعن الأمل متل كأنو بكرا بعيد… صار لازم نحطّ إيدنا بإيد بعض، مش بس لنبني بلد، بل لنبني سلام جوّاتنا، نبلّش نربّي ولادنا عالحقيقة مش عالحقد، عالدّولة مش عالزعيم.صرلها كتير عم تنادينا هالأرض… مش بصوت المدافع، بصوت الأمل. خلّي صوتنا يكون الجواب: نعم للبنان الجديد، نعم لدولة بتلمّ ولادها، مش تفرّقهم. خلّي وجع الماضي يصير دافع، مش عائق. وخلّي نيسان هالسنة، ما يكون بس ذكرى حرب… يكون بداية حياة.”
*لبنان بيستاهل… ونحنا كمان.”*
رئيسة تحرير lebcnnews رودا بدر