حزب الله خلف الدولة، هل هي خطوة اضطراريّة أم استراتيجيّة للبقاء؟
كتبت الصحافيّة رودا بدر في الأحرار نيوز: حزب الله خلف الدولة، هل هي خطوة اضطراريّة أم استراتيجيّة للبقاء؟
منذ سنوات طويلة، يتّخذ حزب الله موقفًا متشدّدًا في العديد من القضايا السياسيّة والأمنيّة في لبنان، إلّا أنّ معادلة اليوم بدأت تتغيّر تدريجيًّا، إذ أصبح الحزبُ يواجه ضغوطات غير مسبوقة على مختلف الأصعدة، دفعت به إلى اتّخاذ خطوة لم تكن ضمن جدول حساباته : الوقوف خلف الدولة.
“حزب الله خلف الدولة”هل هي خطوة اضطراريّة أم استراتيجيّة للبقاء؟
بعد الخسائر الفادحة التي تكبّدها الحزب في “حرب الإسناد” والدّمار الذي خلّفه العدوّ الاسرائيلي، واستهداف شخصيّات قياديّة مهمّة في حزب الله، قد تعرض الحزب لعدّة ضربات قاسية، سواء على مستوى قياداته أو بنيته التحتيّة. فقد فقد العديد من قادته أجزاء من أجسادهم نتيجة انفجار “البيجير”، كما خسر الأمينين العامين السابقين السيّد حسن نصر الله وهاشم صفي الدين ، كما تكبّدت مصارف “القرض الحسن” التابعة له خسائر كبيرة جرّاء الانفجارات المتتالية المدمّرة. حتّى تخلّت إيران عن تقديم تعويضات لرجاله، ممّا ترك الحزب في موقف صعب يهدّد استمراره ووجوده.
في مواجهة هذه التّحديّات، اختار الحزب الوقوف خلف الدولة اللبنانيّة. وفي الظاهر قد يبدو هذا الخيار بمثابة الخضوع للواقع، لكن عندما نتعمّق في الأسباب الكامنة وراءه، نجد أنّ القرار يتّسم بالكثير من الحسابات السياسيّة والاستراتيجيّة. حزب الله لم يجدْ خيارًا سوى التعاون مع الدّولة، رغم تاريخه الطويل من التّحدّي والتّمرّد على السّلطة المركزيّة. هو بحاجة إلى الدعم الذي توفّره المؤسسات اللبنانيّة اليوم لتتمكّن من تعويض خسائره الماديّة والبشريّة، وأيضًا لإعادة بناء هيكليّة الحزب الداخليّة التي تعرّضت للضرر الشديد.
هذا الموقف جاء بعد إدراك الحزب أنّه لم يعدْ في مقدوره إدارة الوضع بمفرده. فعلى الرغم من القوّة العسكريّة والسياسيّة التي يمتلكها، إلا أنّ المعركة الاقتصاديّة والإنسانيّة التي يواجهها في الداخل اللبناني أصبحت أكبر من قدرته على الاستمرار في عزلة عن الدولة. لذا، كان القرار المرهق بالوقوف خلف الدولة خطوة عمليّة تخدم مصلحة الحزب أولًا، بينما توفّر له قناةً لتجاوزَ أزمةً عميقةً قد تؤثّر على مستقبله السياسيّ والشعبيّ في لبنان.
التحضيرات للتشييع والتوترات في الشارع
ومع ذلك، هذا الخيار لا يخلو من التّحديّات. فحتّى في ظلّ هذا التحوّل في مواقف الحزب، ما زالت التوتّرات قائمة على الأرض اللبنانيّة، كما يتّضح من الحزازيّات والشّحنات الطائفيّة التي تنفجّر بين الحين والآخر.فقد شهدنا أمس في المطار أجواءً مشحونةً عندما عادت مجموعةٌ من اللبنانيين من طهران للمشاركة في تشييع الأمينين السابقين لحزب الله. ما أثار استغرابنا هو المشهد الذي تمثّل في سيّدة تردّد بصوت عالٍ أمام جمهورها شعارات تدعم نصر الله، وتقول: “السيّد نصر الله هو الآمر والناهي، وجميعنا فداؤه”و “اللي مش عاجبو يهاجر” والعبارة الأخيرة التي استخدمتها السيدة في مطار بيروت ، تستند إلى كلام الرئيس السابق ميشال عون. ولكن، في هذا السياق، لا شيء يقدر أن يهزَّ من موقف جبل بعبدا اليوم ، فالعماد جوزاف عون يضرب بالقانون والدستور كلّ التجاوزات والمخالفات التي تؤثّر في مسار الدولة .التحديات الداخلية تتجاوز مجرّد التعاون مع الدولة، حيث تظهر معوّقات من الفساد المستشري داخل المؤسسات، وغياب التّنسيق الفعلي بين مختلف الأطراف.
الطريق إلى التسوية: هل سيكون سلاح حزب الله في يد الدولة؟
في ضوء هذا التحوّل السياسي الذي نشهده، يبقى السؤال الأكبر: هل ستستمرّ سياسة حزب الله في الوقوف خلف الدولة بعد أن أصبح الطرف الأقوى على الأرض؟ أم أنّ هذه الخطوة ستكون مجرّد وسيلة للعبور إلى مرحلة جديدة من التفاهمات، على حساب سيطرته على الأسلحة؟ هل ستكون هذه المرّة بداية لمرحلة جديدة من التعاون بين حزب الله والدولة اللبنانية، أم أنّ التحالفات والتحوّلات ستظل هشّة؟ هل ستسعى الدولة فعلاً إلى ضمّ هذا الحزب ضمن مؤسّسات الدولة الشرعيّة؟ وهل سيتخلّى الحزب عن سلاحه أم سيظلّ محتفظًا به تحت مبرّرات خاصّة؟ هذه الأسئلة تفتح أفقًا جديدًا في السياسة اللبنانية قد تغيّر مسار البلد ككلّ.