تاريخ الحزب

تاريخ الحزب

نبذة عن تاريخ حزب الوطنيين الأحرار

ومواقفه السياسية

 

تزامن عهد الرئيس كميل شمعون مع تحولات هامة في منطقة الشرق الأوسط التي أخذت في تلك المرحلة تستقطب اهتمام القوى والدول المؤثرة لعدة اعتبارات أهمها: موقعها الاستراتيجي، ثرواتها النفطية، طاقات أسواقها الاستهلاكية… وتجدر الإشارة الى أن الرئيس شمعون استهل ولايته بُعيد سنوات أربع على نكبة فلسطين وما خلفته من آثار وردود فعل أخذت تظهر تباعاً: من انقلاب الضباط الأحرار في مصر الى تسلم الرئيس عبد الناصر مقاليد الحكم وبدء تقاربه مع الاتحاد السوفياتي ( الذي دخل الشرق الأوسط من باب صفقة السلاح التشيكوسلوفاكي مع القاهرة)، الى الرد الأميركي المحذر من “الخط الأحمر” والداعي الى التصدي له ، وهو ما عرف بمبدأ ” إيزنهاور”، الى تأميم قناة السويس والهجوم الثلاثي على مصر، الى إعلان ” الوحدة ” المصرية ـ السورية إلى الانقلاب في العراق والإطاحة بالملكية.

 

لقد أيقن الرئيس شمعون أن ظروف المنطقة ليست ظروفا عابرة ولا هي الى انحسار وشيك، مما يعني انعكاسها على لبنان وتهديده بأسوأ العواقب نظراً الى واقعه التعددي ، مصدر قوته في الأحوال العادية ومصدر ضعفه في الأزمنة الرديئة حيث التنافس بين أشقائه أو الصراع بينهم وبين أعدائهم وأعدائه . ولم يكن الرئيس ليجهل ميل بعض الأشقاء الى التدخل في شؤونه وسعيهم الى تأمين مصالحهم على حسابه وهو الذي عايش تغير السياسة العربية وتوجهاتها وراقب تقلب مزاج السياسيين وأهوائهم وواجه مخطط احتواء لبنان وتفجير مجتمعه لتحقيق مشاريع توسعية ترضي طموحات بعضهم ورغباتهم الجامحة بحجة إفشال تجديد ولايته. كما لم يكن ليغفل ظاهرة الانقلابات العسكرية والأنظمة التوتاليتارية واشتراكيتها المزعومة والمدعومة من الاتحاد السوفياتي لقلب الأنظمة الموالية للغرب أو إغراقها في الفوضى وعدم الاستقرار . ونتيجة لذلك تكوّن لديه اقتناع راسخ بضرورة توعية اللبنانيين وتسليط الضوء على الأخطار المحدقة بوطنهم، وجمع الإرادات اللبنانية الحرة لمواجهة هذه الأخطار، فكان حزب الوطنيين الأحرار الذي أبصر

 

–   2   –

 

النور لهذه الغاية بموجب العلم والخبر رقم 876 تاريخ 8 أيلول 1958 وقد جاء فيه: إن غاية الجمعية المسماة  ” حزب الوطنيين الأحرار “، في  لبنان  جمهورية  ديموقراطية  ترتكز علاقاتها

الدولية على مبادئ أساسية ثلاثة:

أ – سيادة لبنان المطلقة

         ب – عضوية لبنان في أسرة الدول العربية

         ج – عضوية لبنان في منظمة الأمم المتحدة

 

وكانت ” هيئة الادارة ” أي الهيئة التأسيسية تضم السادة : جورج عقل ، رضا وحيد ، محمد الفضل ، هنري طرابلسي ، جان حرب ، شفيق ناصيف ، محمود عمار ، قبلان عيسى الخوري . وكان جورج عقل ممثل الجمعية تجاه الحكومة .

 

  • من المبادىء التي ينص عليها النظام الأساسي :
  • n نهائية كيان لبنان واستقلاله الناجز وسيادته غير المنتقصة .
  • n عضوية لبنان في منظمة الأمم المتحدة وفي جامعة الدول العربية .
  • n تعددية المجتمع اللبناني وهي حجر الزاوية للعيش المشترك الحر .
  • n النظام الديموقراطي والاقتصاد الحر .
  • n الولاء المطلق للبنان ، وتقديس الحريات العامة والخاصة .
  • n التضامن الاجتماعي وديموقراطية التعليم .
  • n مناهضة الدعوات الطائفية والإقطاعية والتقسيمية ورفض سياسة المحاور والهيمنة .
  • n التطلع الى تطبيق العلمنة الشاملة .
  • n تعزيز دور المغتربين وإعادة الجنسية الى من فقدها منهم .
  • n تحديث القوانين المالية والضرائبية بما يتناسب وقواعد الاقتصاد الحر ومقتضيات التضامن الاجتماعي الخ …

 

  • المراحل التي مر بها الحزب منذ تأسيسه وحتى اليوم

    يمكن تقسيم هذه المراحل وفق الترتيب الآتي :

–   3   –

1 – مرحلة 1958 – 1967

يمكن وصف  هذه المرحلة  بمرحلة ” اجتياز الصحراء ” وخلالها كان حزب الوطنيين الاحرار والتيار الشعبي الذي يدعمه ويشد إزره مستهدفين ومضطهدين . وكانت ” الأجهزة ” تلجأ الى التهويل على بعض الشخصيات السياسية أو إغراقها بالوعود لإبعادها عن الرئيس شمعون والاستقالة من الحزب أو عدم الانخراط في صفوفه. كذلك كانت تتعمد مضايقة المحازبين والمؤيدين وتسعى الى ايجاد شرخ بينهم وبين قيادتهم من جهة ، وبينهم وبين حلفائهم من  جهة  اخرى ، وتحول  دون تعيينهم في الوظائف الرسمية  وتعيق توظيفهم  حتى في القطاع الخاص ، كما كانت تتدخل في الانتخابات ضد مرشحي الحزب والمرشحين الاصدقاء … اما رد الحزب فكان التشبث بمبادئه ومواصلة النضال  لصونها . والجدير ذكره ان  هذه  المرحلة  شهدت  انطلاق  العمل  الفلسطيني المسلح عام 1965 الذي تلته ونتجت عنه سلسلة من الاحداث الخطرة وصولا الى الحرب ـ النكسة حرب الأيام الستة عام 1967 وتداعياتها المأسوية على لبنان وقد وفدت اليه قوافل جديدة من اللاجئين الفلسطينيين .

 

   2 – مرحلة 1968 ـ 1975

شكل حزب الوطنيين الاحرار احد محاور الحلف الثلاثي عام 1968 الى جانب حزبي الكتلة الوطنية والكتائب اللبنانية ولم تكن الأحداث المحلية والتحديات الإقليمية بعيدة عن قيامه وقد يفضل بعضهم اختصار اسباب انشائه بثلاثة : مواجهة اخطار الصهيونية وتوسع الشيوعية الدولية من ضمن صراع الشرق والغرب ، والفلتان الفلسطيني دون ان ننسى التصميم على وضع حد لهيمنة ما كان يعرف بالمكتب الثاني وتجاوزاته التي لم تعد تطاق . اشارة الى محاولة اغتيال الرئيس شمعون في هذه المرحلة واقدامه على العفو عن الفاعل نبيل عكاري مقدما بذلك مثلا يحتذى في اختيار التسامح والمحبة ورفض العنف والكراهية .

واللافت انه لم تمض سنة على قيام الحلف الثلاثي حتى توسعت الممارسات الفلسطينية المسلحة  بالتدخل السافر في الشؤون المحلية ، ومن منا لا يذكر التدخل في الانتخابات النيابية خصوصاً في أوساط الشارع المسلم في بيروت وصيدا وطرابلس ، مما أثر على قرار الزعماء المسلمين وتحيزهم  الى القيادة  الفلسطينية على حساب المصلحة الوطنية ، وقد وصل هذا  التحيز الى  حد   معاداة الجيش ومعارضة انتشاره لقطع دابر  الفوضى  وفرض احترام القوانين

– 4 –

اللبنانية ، وإقامة الحواجز المسلحة وارتكاب اعمال القتل والخطف  فأصبحت مناطق عديدة في العاصمة والضواحي ممنوعة على اللبنانيين ، وتطورت هذه الممارسات تدريجا الى الاصطدام العسكري مع القوى الشرعية اللبنانية ومنها الجيش . ولعل احلك الأوقات التي عرفها لبنان ـ اضافة الى الإحتلال الإسرائيلي ـ تلك التي فرض فيها على العسكريين عدم التجول ببذلتهم الرسمية تحت وطأة تهديدات المنظمات الفلسطينية ذات المشارب المتنوعة والولاءات المتعددة لهذه الدولة العربية او تلك ، ولهذا الطرف العقائدي الدولي او ذاك . وجاءت اتفاقية القاهرة عام 1969 تشرّع الفلتان الأمني تحت غطاء تنظيم العمل الفدائي وقد عارضها الحزب وطالب بإعلانها باطلة كأنها لم تكن بعدما أدت الممارسات الى قيام ما عرف ب “ارض فتح” ( Fath Land) وبعدما اصبح الجنوب  واهله رهائن  المزاج  الفلسطيني الذي  يتغير وفق  مصالح الدول والأطراف المتحكمة بالمنظمات المسيطرة على الأرض . كل ذلك في ظل عدم وجود أي خطة فلسطينية او لبنانية او عربية للتصدي لإسرائيل .

ونعود الى عام 1968 لنذكّر بالانتخابات النيابية التي أدت الى انتصار واضح للحلف وكان لحزب الوطنيين الاحرار واصدقائه النصيب الأوفر منه . هذا الانتصار أتاح وصول الرئيس سليمان فرنجية الى سدة الرئاسة كنتيجة للتحالف بين ” الحلف الثلاثي ” و” تكتل الوسط ” الذي كان مؤلفا من الرئيسين كامل الأسعد وصائب سلام والوزير سليمان فرنجية . ولقد جدد الشعب اللبناني ثقته بالحزب في انتحابات 1972 وظلت كتلة النواب الأحرار الأكثر عددا ومن الأفضل نوعية من منظار التشريع ومراقبة الحكومة والدفاع عن مصالح لبنان وشعبه .

وكيف لا نذكر احداث الاردن عام 1970 التي انعكست تصاعدا في نقمة اللاجئين الفلسطينيين الوافدين من جديد الى لبنان . وها هي الحرب العربية ـ الإسرائيلية تندلع عام 1973 مجددة في عدة المواجهة عنينا اللجوء الى سلاح النفط وفرض حظر تصديره الى بعض الدول الغربية الداعمة اسرائيل . في المقابل نشير الى ملامح المتغيرات على صعيد الشرق الأوسط وانعطاف مصر باتجاه الغرب وخصوصا الولايات المتحدة الأميركية . ولن يطول الوقت حتى تتوضح هذه التوجهات وتتجسد تباعا في المفاوضات المصرية ـ الإسرائيلية بإشراف اميركي لتتكلل باتفاقية “كامب دافيد” . ومما لا شك فيه ان هذا الواقع الجديد ساهم في تأزيم الوضع اللبناني ودفعه الى الانفجار .

 

– 5 –

 3 – 1975 ـ 1985 : مرحلة الحروب والنزاعات

تستوقفنا ثلاثة انواع من الحروب والنزاعات :

     أ – نزاع محوره فلسطيني وأطرافه فلسطينيون ولبنانيون 1975 ـ 1976

     ب- نزاع محوره سوري وأطرافه القوات السورية وفلسطينيون ولبنانيون 1976-1978

     ج- نزاع محوره احزاب مسيحية واطرافه لبنانيون وغير لبنانيين

 

أ – اذا كانت الصدامات المسلحة منذ 1969 بين المنظمات الفلسطينية والجيش من جهة، والمنظمات الفلسطينية وبعض الأحزاب  والمجموعات  الأهلية  ذات  الطابع  المسيحي  من جهة أخرى، قد مهدت الطريق الى نزاع أوسع فإن الانفجار الكبير حصل عام 1975 وقد تغذى من المستجدات الإقليمية التي سبق وأشرنا اليها ، خصوصا الشرخ الذي احدثه الخيار المصري والذي ساهم في تثبيت لبنان ساحة صراعات وتصفية حسابات لدول المنطقة والقوى العظمى مباشرة أو غير مباشرة .

ومعلوم انه منذ اندلاعه عام 1975 اتخذ الصدام طابعا شموليا وراح يهدد لبنان في وجوده من خلال تهديد مصير نصفه المستهدف . ولم يبق أمام الأحرار سوى الصمود والمواجهة فارتجلوا أنفسهم مقاتلين مقاومين في إطار منظمة “نمور الأحرار” بقيادة المرحوم داني الإبن الأصغر للرئيس كميل شمعون وكانت لهم مواقف بطولية ومآثر في الصمود والمواجهة سواء على خطوط التماس المعروفة او في المعارك ضد المخيمات التي تحولت وكرا للاعتداءات وترهيب المواطنين الآمنين بالقنص والخطف والتهريب والقتل . ولم يبخلوا بالتضحيات فسقط منهم الشهداء بأعداد كبيرة . بدورها نشطت القيادة في محاولة إحداث كوة في جدار الصمت العربي والدولي وفي تأمين مستلزمات المعركة المفروضة على اللبنانيين . وسواء كان الصراع وليد مؤامرة تهدف الى توطين الفلسطينيين كجزء من حل قضيتهم لمصلحة اسرائيل او كان نتيجة طموحات هؤلاء فالمسيحيون هم من يدفعون الثمن . لذا كان تعاطي الحزب مع الصراع كحرب ” كلية ” اي انها لا تسعى الى تعزيز مواقع جهة على حساب جهة أخرى بل تعمل لإزالة جهة محددة من الوجود جراء القتل والهجرة ، او أقله اخضاعها في شكل غير مشروط . واننا نؤمن ان المقاومة اللبنانية ضد هذه المؤامرة جاءت في مصلحة لبنان واللبنانيين وفي مصلحة الفلسطينيين والعرب .

 

–   6   –

ب ـ يمكن وصف هذه المرحلة بزمن ” اللاعب السوري ” . فبعد المساهمة السورية الفعالة ـ من خلال منظمة الصاعقة وما يعرف بجيش التحرير ـ في ترجيح كفة المنظمات الفلسطينية وحلفائها اللبنانيين جراء سلسلة من الضربات وليس أقلها ضربة الدامور ، ها هو الجيش السوري يدخل لبنان جهاراً بغطاء دولي وتواطؤ إقليمي. وكانت المجابهة العسكرية الأولى مع الفلسطينيين وحلفائهم وقد استغلها السوريون للإيحاء بحيادهم وتجردهم ، لكأن المقصود نيل براءة ذمة من الطرف المواجه والرأي العام عن مسؤولية دمشق بالنسبة الى ما حل ببعض المدن والقرى كما سبقت الإشارة اليه.

ولم تتأخر الجامعة العربية عن مد السوريين بما يحتاجونه من غطاء عربي فكانت ” قوات الردع العربية ” التي لم يطل الوقت حتى أصبحت قوات سورية بحت. وكان الصدام الأول في الفياضية عام 1978 وقد تلته سلسلة من الصدامات كان الحزب في صلبها ليقينه أن النيات الحقيقية  هي غير  التصريحات ، ولو  أن خطاب الرئيس  الراحل  حافظ  الأسد في تموز 1976 كشف عن بعض النيات السورية وأفصح ضمناً عما يجول في خاطره لا سيما أنه كان يحظى كما أشرنا بتفهم غربي ودعم شرقي وغطاء عربي. لقد اسقطت الصدامات المسلحة مع القوات السورية، التي بلغت ذروتها في الحصار على بعض “المناطق الشرقية” وفي “معركة الجسور” والقصف العنيف الذي استهدف حياة المواطنين وممتلكاتهم ومعنوياتهم، القناع عن هدف سوريا الحقيقي الذي أخذ يتجلى يوماً بعد يوم وحتى هذه الساعة.

 

ج ـ نصل الى فصل النزاعات المحلية على خلفية تثبيت المواقع وتدعيمها حيث لم تغب أصابع أجهزة الاستخبارات الغريبة ولا ” الطابور الخامس”. في هذه المرحلة اغتيل الوزير طوني فرنجية في قصره نتيجة حملة عسكرية لا يسع المرء إلا التساؤل كيف تمكنت من الوصول قاطعة مسافات طويلة بعدتها وعديدها ومجتازة مناطق تتحكم بها القوى المسيطرة التي كانت تنشر حواجزها ومخابراتها بكثافة إضافة الى ميليشيات حلفائها. ومهما يكن من أمر فلقد أدى هذا الاغتيال الى إحداث شرخ بين شمال لبنان وجبله وسمح بتوسيع رقعة السيطرة الغريبة وترسيخها. وفي الإطار عينه يندرج فصل الصراع بين حزبي الوطنيين الأحرار والكتائب اللبنانية حتى كانت عملية 7 تموز 1980 تحت شعار ضبط أمن المنطقة الشرقية وتنقيتها من  العناصر غير المنضبطة  وتوحيد البندقية . ولقد  سقط  جرائها المئات  من المحازبين  والأنصار

– 7 –

مما دفع الكثيرين الى المراهنة على شرخ جديد في قلب الجبل هذه المرة، الا أن الحزب بقيادة الرئيس كميل شمعون امتص الصدمة وتجاوز الحدث وانتصر على المه وخيبته مغلباً الحكمة والمصلحة العامة. بعدها بدأ زمن القوات اللبنانية التي انضم عدد كبير من المقاتلين الأحرار اليها ومعها أخذ نجم قائدها الشيخ بشير الجميل يسطع أكثر ونفوذه يتزايد على حساب الأحزاب الأخرى خصوصاً حزب الوطنيين الأحرار. وليس من العيب الإشارة الى انحسار تأثير الحزب رغم مكانة رئيسه الذي كان يتولى رئاسة “الجبهة اللبنانية”.

في هذه الفترة انفجرت التشنجات الإقليمية وأدت الى الاجتياح الاسرائيلي الأول  عام 1978 ثم الى الاجتياح الثاني عام 1982 وقد كان أوسع من الأول وأخطر إذ بلغت القوات الاسرائيلية   العاصمة بيروت . وتسارعت المتغيرات : من انتخاب الشيخ بشير رئيساً للجمهورية ثم اغتياله وانتخاب شقيقه الشيخ أمين خلفاً له ، الى خروج  منظمة التحرير الفلسطينية  بمؤسساتها وكوادرها ومقاتليها منكفئة الى تونس، الى مجزرة صبرا وشاتيلا، الى فشل محاولة الولايات المتحدة في كسر حاجز الحرب والعداء بالتوسط لتوقيع اتفاقية سلام بين لبنان وإسرائيل .بإزاء هذه الأحداث تقتضي الموضوعية الإقرار بمحدودية دور حزب الوطنيين الأحرار وتأثيره وقد اقتصرا على العمل من خلال الجبهة اللبنانية ، دون أن نغفل واقعة تقديم الرئيس شمعون ترشيحه لرئاسة الجمهورية عام 82 إيماناً منه بأن المرحلة  تفرض وصول رجل يجمع الحكمة والخبرة والصلابة لإيصال الوطن الى شاطئ الأمان . إلا أن المعطيات المحلية والخارجية والمتحكمين بها لم يروا رأيه فلم يتحقق ما كنا نراهن عليه ونتمناه من المنطلقات الآنفة الذكر. ولا ضير من استذكار محاولات الاغتيال الست التي تعرض لها الرئيس شمعون بمفرده وبالمحاولة السابعة التي استهدفته في عوكر مع اعضاء الجبهة اللبنانية آنذاك.

وفي عام 1985 كانت محاولة دمشق المباشرة لتكريس هيمنتها على لبنان واخراجها الى العلن من طريق تحالف رؤساء الميليشيات الموالية لها بعد أن التحق قائد القوات اللبنانية آنذاك الياس حبيقة بالركب السوري. فكان الاتفاق الثلاثي الذي أجهضته انتفاضة داخل القوات اللبنانية قادها الدكتور سمير جعجع  بدعم فاعل من  حزب الوطنيين الأحرار ، مع الإشارة الى أن عام 1985

شهد انتخاب المرحوم داني رئيساً للحزب ، وخروج بعض المسؤولين المعترضين ، المدعومين من السيد حبيقة ، من صفوفه.

 

– 8 –

   3 – مرحلة 1986 – 1991

إنها المرحلة المفصلية التي لا تزال ترخي بظلها على الواقع اللبناني ونعيش انعكاساتها السلبية اليوم: مرحلة الطائف وغياب السيادة اللبنانية والقرار الحر. نشير الى الحدث المميز في تاريخ لبنان السياسي عنينا عدم التمكن من إجراء انتخابات رئاسية عام 88 لضمان انتقال السلطة حسب الأصول والأعراف ولجوء رئيس الجمهورية الى تكليف قائد الجيش الجنرال ميشال عون مهمة تشكيل حكومة انتقالية منعا لحدوث فراغ دستوري. وبالفعل قام الرئيس المكلف بالمهمة واختار حكومة عسكرية من ستة ضباط يمثل كل واحد منهم الطوائف الرئيسية الست. إلا أن سرعان ما استقال الوزراء المسلمون، أو هم رفضوا التعيين، وانبرى رئيس الحكومة السابق ليعلن شرعية حكومته فأصبح اللبنانيون أمام حكومتين وقائدين للجيش الخ… خيار الحزب كان دعم الحكومة العسكرية المؤقتة باعتبارها منبثقة من تكليف قانوني وشرعي صادر عن رئيس الجمهورية الذي تصرف بحسب أحكام الدستور وضمن المهل القانونية من جهة ، ولأنها تمثل تطلعات الحزب  من منظار الثوابت الوطنية التي يتعلق بها ويدافع عنها، من جهة اخرى.

قبل ذلك، وفي نقلة نوعية لا سابق لها في لبنان، قام رئيس الحزب المرحوم داني شمعون بتقديم ترشيحه لرئاسة الجمهورية على أساس برنامج شامل لم يغفل أي جانب من جوانب الحياة السياسية  ومهام الحكم ، في شكل كتيبات خصص كل كتيب منها لمسألة محددة ، وقدم برنامجه في مؤتمر صحافي حضره ممثلو وسائل الإعلام المحلية والخارجية. وما هي إلا أشهر قليلة حتى حصلت مواجهات دامية بين الجيش اللبناني والقوات السورية وهذا ما سمي “حرب التحرير” ، وبين الجيش اللبناني وأنصار العماد عون والقوات اللبنانية وهذه المواجهة أطلق عليها “حرب الإلغاء”. ومن الطبيعي أن يكون حزب الوطنيين الأحرار قلباً وقالباً مع المدافعين عن سيادة لبنان واستقلاله وقراره الحر فالتزم جانب حكومة العماد ميشال عون في تصديها للهيمنة السورية. إلا أن الأمر اختلف بالنسبة الى النزاع مع القوات اللبنانية الذي أدى الى رسم خطوط تماس داخل المناطق الشرقية وانعكس على الحزب الذي وجد نفسه مقسماً جغرافياً لوقوع البيت المركزي وبعض أركان الحزب في منطقة سيطرة القوات ووجود رئيس الحزب والقسم الآخر من أركانه في منطقة سيطرة العماد عون. ولم تكن الجغرافيا وحدها التي قربت الحزب والعماد عون إنما أيضا معارضتهما تسوية الطائف. ولا بأس من التذكير في المناسبة أن دافع معارضة الحزب الأساس  كان اقتناعه  أن الآلية  المنصوص  عنها لاسترجاع  لبنان  سيادته  وتأمين  خروج كل

  • 9 –

 

الجيوش غير اللبنانية، خصوصاً الجيش السوري، لم تكن كافية وحسب إنما كان هناك ما يشبه الفخ في النص الذي يقارب موضوع إعادة الانتشار ومسألة “اتفاق الحكومتين”. وها هي الأحداث تثبت هواجسه بحيث أصبح الجانب السوري يعين الحكومة اللبنانية مما يضمن ولاء أهل الحكم في لبنان وديمومة سعيهم الى طلب دعم دمشق، فكيف لهم أن يطالبوها بسحب قواتها من لبنان. من هنا عدم تردد السوريين بإبداء استعدادهم للانسحاب إذا ما طالبتهم الحكومة اللبنانية بذلك. هذه المرحلة طبعها اغتيال رئيس الحزب داني شمعون وعائلته. ووجد الحزب نفسه امام استحقاق الخلافة في ظرف لعبت جغرافية الأحداث دورا في إظهاره منقسما، فجاء انتخاب الرئيس الحالي دوري شمعون ليشكل نقطة تلاقي وتفاهم لانطلاقة جديدة رغم الضربة التي تلقاها والتحديات التي واجهته والعقبات التي وضعت على طريقه لشله او لدفعه الى التنكر للثوابت وتغيير المبادئ التي من اجلها استشهد داني وعائلته .

 

   4 – مرحلة 1992 – 2001

في ضوء مواقف حزب الوطنيين الأحرار يمكن اختصار ابرز محاور هذه المرحلة كالآتي: موقف الحزب من الانتخابات النيابية ، موقفه من الانتخابات البلدية، موقفه من الانسحاب الإسرائيلي والمقاومة.

أ – مقاطعة الانتخابات النيابية

إن تعيين عدد من النواب بعد الطائف خلافاً للمبادئ الديموقراطية ثم إصدار قانون هجين للانتخابات قسم الدوائر الانتخابية على قياس المجموعات الموالية للأمر الواقع ولم يحترم نصا ولا عرفا ولا مبدأ، ولم يكن حبر الطائف ولا حبر التعيين قد جفا بعد، وأجواء السيطرة السورية على مقدرات الوطن ودقائق حياته السياسية والإدارية، كل ذلك دفع الحزب الى مقاطعة الانتخابات النيابية بالتضامن والتنسيق مع عدة أحزاب وقوى سياسية شكلت فيما بعد التيار السيادي. ولا يزال الحزب يناضل لوضع قانون انتخاب  يضمن صحة التمثيل  ويسمح بمشاركة

كل فئات  المجتمع في إدارة الشؤون الوطنية. ولا يخفى أن خيار الحزب الأول هو الدائرة الفردية وإذا تعذر تبنيها لأسباب وأسباب فخياره الثاني يظل الدوائر الصغرى.

 

– 10 –

ب – المشاركة في الانتخابات البلدية والاختيارية

رداً على بعض الأصوات التي ارتفعت متسائلة عن أسباب المشاركة في هذه الانتخابات مقابل رفضنا المشاركة في الانتخابات النيابية، كانت للحزب مواقف صريحة هدفت الى توضيح الفارق الشاسع بين رهانات الانتخابات النيابية وهي على مستوى وطني ورهانات الانتخابات البلدية وهي محلية صرف. ولقد حقق الحزب نتائج مرضية في الانتخابات البلدية وأثبت للمشككين ان المقاطعة ليست موقفا سلبيا إنما هي موقف اعتراض وتحفظ و” بوليصة تأمين ” ضد المخططات العاملة على تحجيم معنى الوطن وتثبيت تبعيته الموصوفة.

 

ج – المواقف من الانسحاب الإسرائيلي والمقاومة الإسلامية

يعتبر الحزب ان القرار 425 قد تم تنفيذه ولم يبق مناطق غير محررة سوى مزارع شبعا. وانسجاما مع مواقفه المؤيدة للتفاوض بديلا من الحرب والموت والدمار لم يتوقف عن المطالبة بترسيم الحدود  اللبنانية-السورية  في  منطقة المزارع  لإثبات  ملكية لبنان  لها  ليس على اساس تصريح شفهي انما وفق مقتضيات القانون الدولي بحيث يتم ايداع مجلس الأمن وثيقة الملكية حسب الأصول وتصبح الكرة في ملعب الأخير. هذا الموقف فرضه اقتناعنا بأن الوقت قد حان لرفع المعاناة عن اهلنا في الجنوب الذين تحملوا ما لا يحتمل من معاناة وخسائر فادحة في الأرواح والممتلكات . وفي هذا السياق يأتي تحفظنا عن مقولة وحدة المسار والمصير اذ كيف تكون وحدة مصير بين طرف استنزفته الحروب والصراعات ولا تزال ، وطرف لم يواجه أيا منها وحدوده ظلت هادئة وشعبه يعيش بأمان ؟!… ألا تكفي تضحيات اللبنانيين منذ عقود طويلة لإقناع العالم ان لبنان دفع الضريبة غالية عن الجميع ؟! في المقابل لو تم ما نطالب به وعجز مجلس الأمن عن إلزام إسرائيل على الانسحاب لن يعود عندها من حل سوى المقاومة …

ويركز الحزب اهتمامه على استعادة لبنان سيادته وقراره الحر وعلى إقامة  علاقات متوازنة مع سوريا بعد خروج جيشها ووضع حد لتدخلها في شؤونه الداخلية، وعلى تطبيق القرار 194 الذي يضع لبنان بمنأى عن خطر توطين اللاجئين الفلسطينيين، ونلفت هنا إلى دور الرئيس دوري شمعون واجتماعاته مع جميع السياسيين ورؤساء الطوائف المسيحية والإسلامية وإعلانهم رفض التوطين، وعلى المباشرة بالإصلاح السياسي، بدءا بوضع قانون الانتخاب المنشود ، مقدمة للإصلاح  الاقتصادي والإداري  لمعالجة  الأزمات  المتفاقمة  والمتراكمة ، وعلى  العمل  لربط

 

– 11 –

 

اللبنانيين المقيمين باخوتهم المنتشرين، وعلى تحقيق اللامركزية الإدارية، وعلى الحد من الهجرة وتأمين مستقبل الأجيال الصالحة.

   5 – مرحلة  2001 ـ 2002

 

السمة الغالبة لهذه المرحلة كانت في انشاء لقاء قرنة شهوان. ومعلوم أنه جاء ترجمة لنداء مجلس المطارنة الموارنة في ايلول 2000 أي بعد بضعة أشهر على الانسحاب الاسرائيلي من الجنوب والبقاع الغربي. في جوهره النداء شهادة لحق لبنان في الاستقلال والسيادة والقرار الحر وهي ثوابت تؤمن تلاقي اللبنانيين حولها وبذلك تترسخ الوحدة الوطنية. إذن كانت سوريا مطالبة بسحب جيشها من لبنان ووقف اللعب على التناقضات اللبنانية والتدخل في الشؤون الداخلية. هذه المبادئ جسّدها لقاء قرنة شهوان ـ وقد مثل الحزب الأستاذ دوري شمعون والدكتور الياس أبو عاصي ـ في نضاله، وقد كان في مواجهة مع النظام الأمني اللبناني ـ السوري الذي جهد في محاولة التضييق عليه مسبقاً بالأطراف اللبنانيين الدائرين في فلك المحور السوري ـ الإيراني. يمكن القول بموضوعية أن نداءات مجلس المطارنة الموارنة والحركة السياسية للقاء قرنة شهوان فتحت كوة في جدار الهيمنة السورية على لبنان. وكان اللقاء يعمل على إقامة اتصالات وحوارات مع بعض القوى اللبنانية كالرئيس الشهيد رفيق الحريري والأستاذ وليد جنبلاط والمنبر الديمقراطي ممثلاً بالأستاذ حبيب صادق وحركة اليسار الديمقراطي وغيرها انطلاقاً من اقتناعه أنه لا يمكن إنقاذ لبنان من التبعية إلا بلقاء الإرادات اللبنانية من مختلف الطوائف والأطياف.

حدث إستثنائي حصل في العام 2004 تمثل بتمديد ولاية رئيس الجمهورية إميل لحود بناء على تدخل مباشر من قبل النظام السوري وخلافاً لإرادة شرائح عريضة من اللبنانيين مدعومة من غالبية المجتمع الدولي وخلافاً للدستور اللبناني. وكان القرار الدولي 1559 الذي أكد سيادة لبنان واستقلاله ودعا إلى انسحاب الجيش السوري وإلى حل الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية وبسط سلطة الدولة على كامل تراب الوطن بقواها الذاتية. وكان حزب الوطنيين الأحرار في طليعة مؤيدي هذا القرار وقد رأى فيه إعادة تأكيد للمبادئ الواردة في اتفاق الطائف. من هنا جاء دور رئيسه في السعي مع دول الغرب الكبرى لإمرار قرار يدعو إلى إنسحاب الجيش السوري من لبنان. وشهد العام 2004 تصعيداً في الممارسات العنفية وخصوصاً الإغتيال السياسي كوسيلة للخلاص من المعارضين وكم الأفواه والخضوع للأمر الواقع. بدأ المسلسل الإرهابي بمحاولة

  • 12 –

 

 

اغتيال النائب والوزير السابق مروان حمادة وفهم الجميع ان هدف الجناة إسكاته وإرسال رسالة إلى الاستاذ وليد جنبلاط وإفهام المعارضة أن هامش مناورتهم محدود وأن هناك حدوداً محظور تخطيها تحت طائلة القتل.

غير أن معارضي الهيمنة السورية رفضوا الإستكانة، واتخذ الحوار بينهم منحى تنسيقياً رغم التهديدات والضغوطات وكانت حلقات منه تعقد في حزب الوطنيين الأحرار. ومن الملفت تلقف قاعدة الحزب الأهداف الوطنية للحوار فكان المحازبون عنصر جمع وتقارب في الدوائر التي يعملون ضمنها: في منظمة الطلاب والمنظمات الشبابية، في النقابات العمالية، في القطاعات التربوية بما فيها المستوى الجامعي بشقيه الرسمي والخاص وفي نقابات المهن الحرة على اختلافها. ونذكر ان الانتخابات النقابية كانت ترتدي أبعاداً سياسية وتعكس خطين: خط التحرر من الهيمنة وخط القبول بها والعمل لترسيخها تحت عناوين شتى، وكذلك كانت حال الانتخابات البلدية التي حكمها المنطق عينه.

 

6 – مرحلة 2005 – 2012

 

لم يكن من الصعب على المراقب تسجيل التراكمات نتيجة الممارسات التي سبق ذكرها وتوقع حصول انتفاضة أو ثورة بهدف رفض الواقع الذي أصبح لا يطاق. فالوضع كان يشبه قنبلة يحتاج تفجيرها إلى صاعق، فكان اغتيال الرئيس رفيق الحريري الذي سيخرج المارد المعارض من الزجاجة ليكتب صفحات ناصعة في تاريخ النضال السلمي الحضاري رفضاً للهيمنة وتحقيقاً للسيادة والقرار الحر. ومرة جديدة كان حزب الوطنيين الأحرار حاضراً منذ اللحظة الأولى لانتفاضة الاستقلال وثورة الأرز. من الاجتماع الأول في قريطم بعد الإغتيال إلى لجنة المتابعة إلى لقاء البريستول إلى الاعتصام في ساحة الحرية، لم يغب الحزب عن أي اجتماع أو تحرك أو تظاهرة. وصولاً إلى 26 نيسان 2005 تاريخ الانسحاب السوري من الأراض اللبنانية وتحول لجنة المتابعة لقوى 14 آذار إلى أمانة عامة لهذه القوى. النقطة السلبية في هذه المرحلة كانت قيام التحالف الرباعي الذي خاض انتاخابات 2005 مخالفاً منطق التحالف الطبيعي لقوى 14 آذار

 

 

– 13 –

 

الذي تعمّد بدم شهداء انتفاضة الاستقلال. خصوصاً ان مسلسل الإغتيالات لم يتوقف بل شمل خيرة من السياسيين الوطنيين.

في العام 2006 كانت الحرب التي هجّرت مئات آلاف المواطنين من الجنوب والضاحية الجنوبية من بيروت والتي دفعت إلى حركة تضامن قلّ مثيلها معهم، وكان لحزب الوطنيين الأحرار موقفاً داعماً لهذه الحركة تجلى بالمساهمة في تأمين المسكن للنازحين وتقديم المساعدات لهم.

وساهم الحزب كذلك في التحضير للمؤتمرات واللقاءات الموسّعة لقوى 14 آذار التي كانت تتميز بالطروحات الموضوعية والديمقراطية. في المقابل عملت قوى 8 آذار على احتلال وسط بيروت وأقامت بما يشبه المعسكر وراحت تصعّد مواقفها على وقع تقدم المحكمة الدولية الخاصة بلبنان. وكان اعتكاف ثم استقالة من الحكومة وبلغ التصعيد ذروته مع أحداث 7 أيار 2008 التي كشفت الوجه الحقيقي للسلاح غير الشرعي الذي طالما إدعى أصحابه انه يصوّب فقط إلى العدو الإسرائيلي. وكنتيجة للأحداث الدامية قامت وساطات عربية أدّت إلى عقد اجتماع في الدوحة أسهم عن قيام حكومة تفاهم وانتخاب رئيس جديد للجمهورية بشخص العماد ميشال سليمان. وكان الحزب سبّاقاً إلى التحذير من مغبّة إعطاء قوى 8 آذار، التي لم تربح الانتخابات النيابية، الثلث المعطل في الحكومة ليقينه انها لن تتوانى عن اللجوء إليه متى قضت مصلحتها ذلك رغم الالتزام الذي قطعته في الدوحة بعدم الاستقالة من الحكومة وهذا ما كان. وأدى السلاح دوره في إسقاط حكومة الرئيس سعد الحريري التي تشكلت بعد انتخابات صيف 2009 والتي فازت فيها قوى 14 آذار.

وقامت مذ ذاك حكومة يهيمن حزب الله عليها ويؤدي من خلالها خدمات للنظام السوري المترنّح وللنظام الإيراني الغارق في مواجهة مع المجتمع الدولي على خلفية ملفه النووي.

في هذا الوقت عاد إلى الواجهة مسلسل الاغتيالات السياسية في محاولتين استهدفا رئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع والنائب الشيخ بطرس حرب وقد خاضت قوى 14 آذار معركة سياسية مميزة لحمل السلطة على تسليم حركة الاتصالات أو ما يعرف بداتا الاتصالات إلى الأجهزة الأمنية لتتمكن من القيام بواجباتها في كشف المجرمين ومحاربة الإرهاب. وأسوأ ما نتج من الوضع السوري هو محاولة دمشق تفجير الأوضاع في لبنان، كما يشهد مخططه إدخال متفجرات بواسطة الوزير السابق ميشال سماحة الذي تسلمها من رئيس جهاز الأمن القومي علي

  • 14 –

 

مملوك لإحداث فتنة سنية علوية وسنية مسيحية، مما يسمح للنظام السوري بالتقاط انفاسه وحرف الأنظار عن أوضاعه المتردية.

ومن المفيد في هذا المجال الإضاءة على ما يعتبره فريق 8 آذار واجباً وطنياً لرفض استهداف قوى المقاومة والممانعة.

في الواقع ـ وكما درجت بيانات حزب الوطنيين الأحرار على توضيحه ـ هنالك تماهٍ موصوف بين قوى 8 آذار والمحور السوري ـ الإيراني الذي يتوسل عنوان المقاومة والممانعة لتركيز وضعه داخلياً وإقليمياً. على سبيل المثال يرفض النظام السوري تقديم الوثائق التي تثبت لبنانية مزارع شبعا والتي يطالبه مجلس الأمن الدولي بوضعها في تصرفه ليسند حكمه عليه. وبالتالي يسمح السلوك السوري لحزب الله التشبث بسلاحه بذريعة إجبار إسرائيل على الانسحاب منها. وتجدر الإشارة إلى أن الشرعية الدولية استناداً إلى الوثائق والخرائط في حوزتها لا تزال تعتبر مزارع شبعا سورية وينطبق عليها القرار 242 لا القرار 425. وبنفس المنطق يرفض النظام السوري ترسيم الحدود اللبنانية ـ السورية تنفيذاً لقرارات مجلس الأمن الدولي. انطلاقاً من هذا المعطى يستفيد النظام الإيراني باعتماد حزب الله كقوة يراهن على تحريكها في حال تعرضه لأي هجوم عسكري. أما موقف حزب الوطنيين الحرار فهو الإصرار على وضع ترسانة حزب الله بعهدة الدولة ممثلة بالجيش اللبناني وتحت أمرته. وهكذا يكون لبنان استفاد من القدرة العسكرية لحزب الله في وجه إسرائيل، ويبطل السلاح أن يكون عنصراً مؤثراً في القرارات الوطنية أو وسيلة ضغط لتغيير موازين القوى في شكل غير ديمقراطي. هذا مع العلم أن احتفاظ حزب الله بسلاحه يضرب المبادئ التي تقوم عليها الدولة وينقض مبدأ مساواة المواطنين. وكان سبق لاتفاق الطائف أن طالب بحل كل الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية، ودعا إلى بسط سلطة الدولة على أراضيها بأدواتها الذاتية، وحدد الوسائل للتعاطي مع الملف الجنوبي وتحديداً التعلق بإتفاقية الهدنة لعام 1949 وبقرارات مجلس الأمن الدولي ذات الصلة.

 

على صعيد آخر تجهد قوى 8 آذار لضمان فوزها في الانتخابات النيابية المقبلة من خلال قانون انتخاب مفصّل على قياس مصالحها. من هنا كان مشروع قانون الانتخاب الذي أقرته حكومتها وأحالته على المجلس النيابي بانتظار البت به.

 

  • 15 –

 

وليس من الصعب ملاحظة خارطة تقسيم الدوائر الانتخابية في شكل يوفّر لهذه القوى حظوظاً كبيرة في النجاح. كما لا يجدي التلطي وراء النسبية لانعدام إيجابياتها في ظل السلاح والاستقواء به في مناطق نفوذ أهله. وتنويراً للرأي العام نجدد تفضيلنا الدوائر الصغرى .

أما في ما يتعلق بالنسبية فلكي تطبّق في شكل فاعل ومفيد يفترض عدم الأخذ بالتوزيع الطائفي على أن يكون التنافس بين الاحزاب وعلى قاعدة البرامج. على أن يعود للأحزاب تقديم المرشحين وترتيبهم على لوائح مقفلة. إن عدم الأخذ بهذه الملاحظات والاكتفاء بالشعارات والمقولات المعلّبة، مثل القول أن النسبية لا تلغي أحداً وهي توفر تمثيل الجميع وهذا قول مبالغ فيه نظراً إلى هيمنة السلاح على الحياة السياسية خصوصاً في مناطق محددة، يؤديان إلى عكس الغاية المتوخاة نظراً إلى الواقع السائد.

وفي المناسبة نؤكد أهمية قانون الانتخاب لجهة تأمين التمثيل الصحيح لكل أطياف المجتمع، ولكونه يتيح للبنانيين المشاركة في صنع القرار وسن القوانين ومراقبة الحكومة من خلال ممثليهم. وهو يعتبر بحق أحد أركان الإصلاح المستمر في حياة الدول والشعوب.

ونشير أخيراً إلى خطأ شائع وهو القول أن الطائف تكلم على اعتماد المحافظة كدائرة انتخابية، ويذهب بعض أصحاب هذا القول إلى الاعتبار أن عدد الدوائر الانتخابية خمسة وبعضهم الآخر ثمانية أي بإضافة محافظات النبطية والهرمل وعكار على الخمس محافظات المعروفة. والصحيح أن إتفاق الطائف يشير إلى اعتماد المحافظة إنما بعد إعادة النظر في التقسيم الإداري. معلوم أيضاً أنه ينص على اللامركزية الإدارية الموسعة التي تقضي حكماً بتعدد المحافظات أكثر بكثير مما هي عليه اليوم.

وفي سياق متصل شهد العام 2011 بدء الثورة الشعبية في سورية ضد النظام وقد راحت تباعاً تأخذ منحى المواجهة العسكرية بسبب تعنّت النظام الذي لا يجيد إلا لغة القمع والحسم العسكري. وقد ارتفعت أصوات في لبنان ـ ومن بينها صوت الأحرار ـ بالدعوة إلى عدم استجلاب الأحداث الجارية هناك. وصدر موقف مماثل عن المسؤولين اللبنانيين عرف بسياسة النأي بالنفس. إلا أن الوقائع أثبتت انحياز أكثرية الحكومة إلى النظام السوري وقد تجلى هذا الأمر في الموقف الرسمي اللبناني سواء في الأمم المتحدة أو في جامعة الدول العربية. ولقد قابل هذا الموقف سلوك النظام غير الودي تجاه لبنان، إن بالإعتداءات المتكررة على اللبنانيين في القرى الحدودية وانتهاك السيادة الوطنية أو بالمخططات التي يحاول تنفيذها لتفجير الأوضاع وتصدير

– 16 –

 

أزمته إليه. ولقد نبّهت أكثر من جهة عربية ودولية من هذا الأمر وحذّرت النظام السوري من المضي قدماً في مخططاته. إلا أن النظام لم يرتدع وهو يرتكز في ممارساته على حلفائه المحليين

كما أظهرت أحداث خطف الرعايا السوريين المعارضين أو النازحين لأسباب ليسوا وراءها ولا يمكن أن يُسألوا عنها. وتندرج في هذه الممارسات محاولات التضييق على  اللبنانيين  المتعاطفين

مع النازحين السوريين تارة تحت عنوان التدخل في الشأن السوري وطوراً بإلصاق تهمة التطرف والتشدد الديني بهم.

أما نظرة حزب الوطنيين الأحرار إلى الشأن السوري فقد عبر عنها ببياناته الأسبوعية وبتصريحات المسؤولين فيه ونختصرها بالآتي:

يتفهّم الحزب الانتفاضة الشعبية السورية وقد عانى كما الكثير من اللبنانيين من ممارسات النظام السوري وهو يتعاطف مع كل طالب للحرية والكرامة وحقوق الإنسان إينما وجد.

ويتطلع الحزب إلى قيام نظام ديمقراطي في سوريا يضمن هذه المبادئ كما التنوع والتعددية ويقيم علاقات طبيعية مع لبنان. وفي شكل أوضح نتطلع إلى اعتراف سوريا باستقلال لبنان وسيادته وخصوصيته وإلى عدم تدخل أي منهما في شؤون الآخر. وننتظر من النظام العتيد كشف مصير المعتقلين اللبنانيين وإلغاء المجلس الأعلى اللبناني ـ السوري وإعادة النظر في الاتفاقات وإلغاء ما يثبت إجحافه بحق لبنان منها، وترسيم الحدود بدءاً من مزارع شبعا لوضع حد نهائي لحملات التضليل والاستغلال التي يوفرها الالتباس المقصود في هويتها.

ومن الإشكاليات هذه نطرق موضوعاً آخراً يهم الكثير من اللبنانيين وهو حياد لبنان. نسارع إلى القول أن المقصود بحياد لبنان ليس سلخه عن عالمه العربي ولا جعله متخلفاً عن القضايا العربية والإنسانية المحقة، أوعزله عن محيطه والعالم، بل المقصود، تحييده عن الصراعات والمحاور التي عانى منها طويلاًَ ولا يزال يعاني. وفي ذلك شجاعة وحكمة إذ يمكن للبنان تحصين ساحاته وإبعاد التدخلات الخارجية في شؤونه، وهنا يجد اللبنانيون مصلحتهم ويمكنهم تفعيل علاقاتهم إيجاباً مع الخارج بدءاً من الدول الشقيقة.